Search
Close this search box.

جنان نصار… كافحت لتعيل أسرتها من مطبخها

جنان نصار

رام الله 21-3-2022 وفا- إيهاب الريماوي

لم تجعل جنان نصار (61 عاما) من مدينة رام الله، للاستسلام مكانا في قلبها، ولم تركن في زاوية اليأس والإحباط، فبدأت في البحث عن سبيل تقف فيه على قدميها، وتهتم بأبنائها الأربعة بعد وفاة زوجها.

رحل زوجها عام 1997، تاركا لها أربعة أطفال ما زالوا يخطون خطواتهم الأولى، أيام صعبة جدا مرت عليها في وقت كان أطفالها بأمس الحاجة إلى أب يقف إلى جانبهم.

في أول خمس سنوات من رحيل زوجها لم تغادر جنان منزلها ليس إحباطا أو استسلاما، إنما لكونها كانت تعمل ثلاثة أعمال في البيت، كان بيتها في الصباح حضانة للأطفال، وفي المساء والليل كانت تعد المعجنات والحلويات البيتية، إلى جانب الخياطة.

“عملت سبعة أيام في الأسبوع، ولم يكن للراحة موقعا في حياتي، فأنا لدي أربعة أطفال، ومجبرة أن أوفر قوت يوميهم بعد رحيل معيل العائلة، ولم أكن أرغب بتركهم وأخرج للعمل خارج البيت، فاضطررت للعمل من المنزل”ـ تقول جنان نصار.

اجتاح الاحتلال الإسرائيلي مدن الضفة الغربية عام 2002، ضاق الحال بجنان، فلم تجد طريقا لها إلا صنع المعجنات بمنزلها وتوزيعها وبيعها بشتى الطرق، حتى توفر المصروف لأبنائها، فتعبت واجتهدت وصبرت، وتمكنت من توفر أقل ما يمكن توفيره.

ومنذ عام 2002 وحتى عام 2007 افتتحت جنان التي درست تصميم الأزياء محلا للملابس النسائية، وكانت تستورد بضاعتها من فرنسا وأميركا، إلا أنها اضطرت إلى إغلاقه بسبب الظروف الاقتصادية التي كانت تسود البلاد.

عادت جنان إلى العمل من البيت، وعملت على إعداد المعجنات الصحية والحلويات البيتية لجيرانها وأقاربها. وجدت ضالتها أخيرا عام 2013، عندما عثرت على محل تفتح فيه مطبخها الخاص، وتطلق عليه “مطبخ جنان”، وبدأت بمشروع المعجنات، وتطور لاحقا لأن يصبح ملاذا للباحثين عن مختلف أصناف الطعام الفلسطيني الأصيل. حيث تشتري الخضار والبيض البلدي واللبن من المزارعين، فهي تفتخر أن زبائنها يقولون لها: “كأننا نأكل في بيوتنا ومن أيدي أمهاتنا وجداتنا”.

تملك مهارة عالية في المطبخ الفلسطيني، وتعد أكلات قديمة جدا قد لا يعرفها جيل اليوم، والتي اتقنتها من أمها وجدتها، كأكلة الرمانية مثلا، التي تعتبر من الأطعمة القديمة التي تتكون من الباذنجان والعدس ودبس الرمان، كما تصنع أنواعا مختلفة من المربيات الموسمية كالقراصيا والسفرجل والفراولة والمشمش المستكاوي الذي تشتهر فيه قرية جفنا، والشراب المركز من الليمون والخشاش، وهذه أشياء تعود إلى سنوات طويلة خلت.

يأتيها الزبائن من مختلف المدن، فلديها زبائن منذ سنوات طويلة، من حيفا، ويافا، وعكا، والناصرة، وشفا عمرو، وكفر قاسم، ورهط، وبيت لحم، ونابلس، والقدس، إضافة إلى الأجانب والسواح الذين يزورون فلسطين عدا عن المستقرين في رام الله، ففي كل يوم هناك طلبات تأتيها من مدن الساحل داخل أراضي الـ48، تصنع الطعام في رام الله، ويُؤكل على شط بحر يافا.

سر نجاح “مطبخ جنان” التي ترفض أن يسبق اسمها بكلمة “شيف”، إشرافها على كل أكلة تخرج من مطعمها، وحرصها على النظافة والحفاظ على الجودة التي بدأت فيها مشروعها واستمرت عليه، وإصرارها على عدم استخدام أي مواد حافظة أو كيماوية أو لحوم مجمدة بهدف الحفاظ على الطعم التقليدي الأصيل.

“لا أشعر بأني شيف، هذه الكلمة اعتبرها مصطنعة، فأنا أميل بأن ينادى عليّ بالست جنان، فأنا ست بيت أصنع الطعام الفلسطيني الذي يصنع في البيوت، فلقب شيف هو للذين يميلون للطعام الغربي ويزينون طعامهم بأشياء دخيلة لا تشبه طعامنا”، تضيف نصار.

عندما تم الإعلان عن تفشي فيروس “كورونا”، وأعلنت الحكومة الإغلاق العام، اضطرت لإغلاق مطعمها، لفترة طويلة ولكنها التزمت بنفس الوقت بدفع جميع الضرائب والفواتير والمعاشات بشكل كامل لكامل موظفاتها، حتى لا تضطر إلى تسريحهن، ولتقليل الخسائر والمصاريف، اتجهت نحو فكرة جديدة وهي تصنيع المفرزات، فكانت تصنع “الكبة البيتية، ورولات المسخن وكرات الزيتون بالجبنة” وتفرزها، وتوزعها على البقالات والمحلات التجارية، حيث لاقى ذلك رواجا كبيرا بين المواطنين.

ترى جنان، أن نجاحها يعود إلى الصبر الذي تحملته طيلة هذه السنوات، وأيضا إلى وقوف أبنائها إلى جانبها ومساعدتها، وتحملهم معها لما مرت به من مصاعب وتحديات كبيرة.

“هذا مشروع نسائي، عشرات الفتيات مررن من هنا وتعلمن أصول الطبخ الفلسطيني، ولدي حرص كبير بأن أوظف الفتيات اللواتي لديهن ظروف اجتماعية واقتصادية صعبة، خاصة أمهات وزوجات الأسرى والشهداء والأرامل، أو اللواتي لديهن أزواج مرضى لا يمكنهم المرض من العمل، فأنا لدي قلب حنون عليهن، فظرفي كان مشابها لهن”.

ترى جنان، أن حفاظها على فرعها الوحيد كافٍ لها، فهي تريد الحفاظ على الجودة طالما بقيت تشرف وتصنع بيدها الطعام للزبائن، وتوفر لهم الراحة النفسية، وتجعلهم يشعرون أنهم في بيتهم وليس في مطعمٍ، فالعلاقة بينهما وبين الزبائن ليست علاقة بين موظف وزبون.

اشتهرت على المستويين المحلي والعالمي، حيث صنف موقع “Culture Trip” العالمي “مطبخ جنان” على أنه أحد أفضل عشرة مطاعم في رام الله والبيرة.

ــــــــ

آخر الأخبار

أحدث البرامج