قصف الاحتلال للكنيسة في غزة كاد ينتهي بمجزرة

– استهداف الكنيسة جاء بعد 10 دقائق من خروج المصلين بعد انتهاء الصلاة

غزة – وفا- خضر الزعنون – قرابة الساعة العاشرة من صباح يوم الخميس، تعرضت كنيسة العائلة المقدسة للاتين في مدينة غزة لقصف من الاحتلال الإسرائيلي، بعد دقائق من خروج مصلين بمن فيهم أطفال، من داخلها عقب انتهاء القداس والصلوات، ما أسفر عن استشهاد ثلاثة مواطنين هم: سعد عيسى قسطندي سلامة، فوميه عيسى لطيف عياد، ونجوى أبو داود، وإصابة 10 آخرين على الأقل، بينهم راعي الكنيسة الأب غابرييل رومانيللي.

ومنذ بدء حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، نزح إلى كنيسة العائلة المقدسة للاتين، وكنيسة القديس برفيريوس للروم الأرثوذكس، مئات المواطنين بعد أن دمرت منازل عدد منهم جراء القصف وفقدوا ممتلكاتهم، وبحثا عن ملجأ أكثر أمنا.

إلا أن دور العبادة في غزة لم تسلم من قصف ونيران الاحتلال، حيث استهدف الاحتلال الكنيستين، كما استهدف الكنيسة المعمدانية الموجودة داخل المستشفى الأهلي العربي “المعمداني” في غزة، والمئات من المساجد في القطاع، مخلفا شهداء وجرحى ودمارا واسعا.

المواطن إلياس الجلدة، عضو مجلس وكلاء كنيسة الروم الأرثوذكس في غزة، قال إن الاحتلال استهدف بشكل مباشر المبنى الرئيسي لكنيسة العائلة المقدسة بعد 10 دقائق فقط من انتهاء الصلاة فيها، مضيفا: “لو كان المصلون متواجدون داخلها، لكنّا أمام مجزرة مروّعة”.

وأضاف: “استهداف اليوم يأتي ضمن حملة هجومية ممنهجة تتعرض لها الكنائس والمراكز التابعة لها على مدار أشهر حرب الإبادة؛ في محاولة للضغط على المواطنين المسيحيين للرحيل، لكنهم تمسّكوا بأرضهم وصمدوا”.

وتابع: “المسيحيون في غزة، حالهم كحال أبناء شعبهم، دفعوا الثمن، وعاشوا كل الظروف الصعبة، لكنهم اتخذوا قرارًا حاسمًا بأن يعيشوا في مناطقهم شمال القطاع، أو يُدفنوا فيها”.

وأقيمت صلاة الجنازة على جثامين الشهداء الثلاثة في كنيسة القديس بروفيروس، قبل دفنها في مقبرة قريبة من الكنيسة، في ظل حصار وغارات مكثفة من الاحتلال على مدينة غزة.

بطريركية اللاتين في القدس، أدانت قصف الاحتلال الذي استهدف كنيستها في غزة. وقالت في بيان: “ندين ونشجب بشدة استهداف المدنيين الأبرياء والاعتداء على أحد بيوت العبادة. إلا أن هذه المأساة، رغم فداحتها، ليست أشد قسوة مقارنة بالعديد من المآسي التي أصابت غزة. فقد تضرّر وشُرّد وقُتل عشرات الآلاف من المدنيين الأبرياء. فالموت والألم والدمار يجول ويصول في كل مكان. وقد حان الوقت لكي يرفع قادة العالم أصواتهم ويفعلوا كل ما هو ضروري لوضع حدّ لهذه المأساة، التي تطعن القيم الإنسانية والأخلاقية في الصميم، ولا يبرّرها أي مبرّر”.

وأضافت: “يجب أن تتوقّف هذه الحرب البشعة – حتى نبدأ مسيرة طويلة لاستعادة الكرامة الإنسانية”.

كما أدانت بطريركية الروم الأرثوذكس استهداف الكنيسة، وقالت في بيان لها، “إن استهداف مكانٍ مقدسٍ يؤوي اليوم نحو 600 نازح ونازحة غالبيتهم من الأطفال، و54 شخصاً من ذوي الإعاقة، يُعد مساساً سافراً بكرامة الإنسان، وانتهاكًا صارخًا لقدسية الحياة وحرمة الاماكن الدينية التي من المفروض أن تشكّل ملاذًا للأمان في أوقات الحرب”.

وأكدت البطريركية أن “الكنائس هي منارات روحية وإنسانية، تخدم الجميع دون تمييز”، داعية المجتمع الدولي، وهيئات الأمم المتحدة، إلى توفير الحماية العاجلة للمؤسسات الدينية والمراكز الإنسانية في قطاع غزة، وضمان احترام القانون الإنساني الدولي الذي يجرّم استهداف المدنيين وأماكن العبادة.

وأدانت وزارة الخارجية والمغتربين، قصف الاحتلال للكنيسة، معتبرة ذلك “جريمة مكتملة الأركان، تندرج في إطار مظاهر الإبادة الجماعية التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي ضد جميع أشكال الحياة الإنسانية في قطاع غزة، بما فيها الاستهداف المتعمد لدور العبادة والمستشفيات والمدارس ومراكز الإيواء”.

وطالبت الأطراف الدولية كافة بتحمل مسؤولياتها في توفير الحماية الدولية لشعبنا، وللمقدسات المسيحية والإسلامية في الضفة المحتلة بما فيها القدس الشرقية وقطاع غزة، وبما يضمن الوقف الفوري لعدوان الاحتلال على شعبنا بجميع أشكاله.

بدورها، اعتبرت اللجنة الرئاسية العليا لمتابعة شؤون الكنائس في فلسطين، استهداف الاحتلال للكنيسة “تطورا بالغ الخطورة في سلسلة الاعتداءات المتصاعدة على المقدسات المسيحية، ويكشف عن سياسة استباحة ممنهجة تطال المدنيين ودور العبادة في آن واحد، دون أي اعتبار للمواثيق الدولية أو القيم الإنسانية والدينية”.

ووجهت اللجنة نداء عاجلاً إلى البطاركة والمطارنة ورؤساء الكنائس في العالم، دعتهم فيه إلى “إدانة هذه الاعتداءات بشكل واضح وجريء، وتحميل دولة الاحتلال المسؤولية الكاملة عن استهداف الكنائس والمؤمنين، وتَحمّل المسؤولية الأخلاقية والروحية تجاه المجتمعات المسيحية في فلسطين، والتي تواجه حملة ترويع وتفريغ ممنهجة، إضاقة إلى الضغط على الحكومات وصنّاع القرار من أجل التحرك الفوري لوقف هذه الجرائم، ومحاسبة مرتكبيها أمام العدالة الدولية”.

وأكدت اللجنة أنّ “الصمت لم يعد مقبولًا، وأنه لا يكفي رفع الصلوات ما لم تُرفَع المواقف”، مشددة على أن الكنائس مطالبة اليوم بالوقوف الحازم إلى جانب القيم التي تحملها، في وجه سياسة ممنهجة تستهدف وجودا مسيحيا أصيلا في الأرض المقدسة.

وجدد بابا الفاتيكان، لاون الرابع عشر، نداءاته لوقف إطلاق النار فورًا في غزة، عقب قصف الكنيسة.

وفي برقية موقّعة من أمين سرّ دولة حاضرة الفاتيكان الكاردينال بييترو بارولين، نيابةً عنه، أعرب البابا لاون عن حزنه العميق لفقدان الأرواح وللإصابات الناجمة عن الهجوم. كما أعرب عن قربه الروحي من راعي الكنيسة الأب جبرائيل رومانيلي -الذي أصيب خلال الهجوم- ومن جميع أبناء الكنيسة.

وجدّد البابا لاون نداءه من أجل السلام ووقف إطلاق النار، معربًا عن أمله العميق في الحوار والمصالحة والسلام الدائم في المنطقة.

كما أدانت وزارة الخارجية وشؤون المغتربين الأردنية قصف الاحتلال للكنيسة، واعتبرته “خرقا فاضحا للقانون الدولي، والقانون الدولي الإنساني، وخصوصا اتفاقية جنيف بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب لعام 1949، وامتدادا لسياسة الحكومة الإسرائيلية المتطرفة، التي تواصل عدوانها واستهدافها الممنهج للمدنيين الأبرياء في القطاع”.

وشددت على ضرورة امتثال إسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال، لالتزاماتها بموجب القانون الدولي، لاسيما القانون الدولي الإنساني، وبشكل خاص الامتناع عن مهاجمة الأعيان المدنية ودور العبادة في قطاع غزة بشكل فوري.

ودعت المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته القانونية والأخلاقية، وضرورة اتخاذ موقف فاعل يوقف العدوان الإسرائيلي على غزة بشكل فوري، ويضمن إدخال المساعدات الكافية والفورية إلى القطاع الذي يعاني من كارثة إنسانية غير مسبوقة سببها ويفاقمها العدوان.

كما أدانت فرنسا على لسان وزير خارجيتها جان نويل بارو، وإيطاليا على لسان رئيسة وزرائها جورجيا ميلوني، قصف الكنيسة، معتبران أن ذلك “غير مقبول”، وأن “الهجمات على المدنيين لا يمكن تبريرها”.

 

وقبل بدء الحرب على غزة، كان عدد المواطنين المسيحيين 1017 مواطنا، غادر منهم حوالي 300 مواطن إلى مصر والخارج في الأسابيع الأولى من الحرب قبيل سيطرة قوات الاحتلال الإسرائيلي على الجانب الفلسطيني من معبر رفح.

وفي تشرين الأول/ أكتوبر 2023، استشهد 16 مواطنا مسيحيا وأصيب آخرون في قصف الاحتلال لكنيسة القديس برفيريوس، وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، استشهدت مواطنة مسيحية مسنة بنيران الاحتلال أثناء تفقدها لمنزلها قرب الكنيسة.

وفي كانون الأول/ ديسمبر من العام ذاته، قتل قناص من جيش الاحتلال مواطنة وابنتها وأصاب 7 آخرين في ساحة كنيسة العائلة المقدسة، كما استهدفت مدفعية الاحتلال دير راهبات الأم تريزا بمدينة غزة، والذي يؤوي أكثر من 54 شخصا من ذوي الإعاقة؛ وهو داخل أسوار الكنيسة.

كما توفي نحو 35 آخرين من المرضى النازحين في الكنائس، بسبب نقص الأدوية والرعاية الصحية، في ظل الحصار الإسرائيلي ومنع دخول المساعدات.

وخلفت حرب الإبادة الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة أكثر من 198 ألف شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين بينهم أطفال، فضلا عن دمار واسع.