Search
Close this search box.

صورة القضية الفلسطينية في السينما الروائية

تصميم بدون عنوان (4)

بقلم: أمال عايد عطية بسيس

منذ ظهور السينما وجذبها للجمهور عامة، اتفق الأخصائيون الاجتماعيون والمفكرون على أهمية دور السينما في تشكيل وجهات نظر معينة لدى الجمهور؛ باعتبارها أداة أيديولوجية بامتياز، وقادرة على بناء أو تدمير نشء، حيث ترسخ الأعمال السينمائية القيم والمفاهيم التي تساهم في تكوين صورة نمطية في ذهن الجمهور، مما يؤثر بشكل مباشر على اتجاهاتهم وسلوكهم وقناعاتهم وانتمائهم ومساندتهم لقضية ما.

        ومما لا شك فيه أن التطور التكنولوجي – بالإضافة إلى المضمون القيمي – ساعد صناع السينما على تقديم أفلام قادرة على التأثير والتغيير بشكل كبير، وهي تمثل الوسيلة الأكثر انتشاراً حول العالم، فقد دخلت بأفلامها المنوعة كل البيوت عبر شاشات التلفزيون، ومع تطور خدمات الشبكة العنكبوتية أصبحت في متناول اليد عبر شاشات الهواتف النقالة لدى الكبار والصغار، وفي أي وقت.

       ومن الجدير بالذكر أن السينما لامست الواقع بشكل كبير لدرجة إنتاجها مشاهد واقعية لا يمكن التفرفة بينها وبين الواقع؛ بفضل التقنيات الحديثة والمتطورة، وبالتالي زيادة قوة التأثير على الجمهور.

       تشكل قوة الفيلم، وقوة شركة الإنتاج، وشهرة الدولة المنتجة عناصر أساسية وتكاملية في نجاح الفيلم، وزيادة رقعة شهرته، ونسبة وصوله إلى الجمهور بكافة شرائحه، وعلى سبيل المثال، فإن السينما الأمريكية والتي تكتسب شهرتها الأكبر في هوليوود؛ لكونها مركز شركات الإنتاج والنجوم العالميين، وموقعها الكائن في لوس أنجلوس الأمريكية لها تأثير كبير على العالم برمته، وتمثل تاريخاً عظيماً في صناعة الأفلام السينمائية، وقد تناولت العديد من القصص الخيالية والواقعية، وأنتجت أفلاماً سياسية تتحدث أيضاً عن القضية الفلسطينية، وكان لها تأثير ملموس على رأي الجماهير.

      تنوع الإنتاج السينمائي حول القضية الفلسطينية بين إنتاج أمريكي وإنتاج عربي، وعند الوقوف على الإنتاج العربي، وتحديدا أفلام السينما المصرية في هذا الشأن، نجد أنها توثق التاريخ، وتظهر دعم الدولة المصرية للقضية الفلسطينية.

       واكتسبت السينما المصرية شهرتها عربياً؛ باعتبار دولة مصر مركز السينما في الوسط العربي، وأنتجت العديد من الأفلام التي تتعلق بالقضية الفلسطينية، حيث كانت موضوعاً مهماً في أفلامها؛ على اعتبار أن أفلامهم تتناول الموقف المصري اتجاه القضية الفلسطينية، وذلك بسبب وقوف الحكومات المصرية إلى جانب الشعب الفلسطيني خلال صراعه المستمر مع إسرائيل، ومن المعلوم أن بداية الإنتاج المصري كانت مع بداية النكبة الفلسطينية، حيث إن فيلم ( فتاة من فلسطين ) هو أول إنتاج مصري يتناول القضية الفلسطينية في عام النكبة 1948، وهو من بطولة وإخراج محمود ذو الفقار، وتدور أحداث الفيلم حول طيار مصري سقطت طائرته في قرية فلسطينية، ويلتقي حينها بفتاة من القرية، وتنشأ بينهم قصة حب رومانسية.

       وبالعودة إلى سينما هوليوود التي اتجهت إلى تغيير الرأي العام في عقول مجتمعاتها حول القضية الفلسطينية، من خلال صناعة الأفلام السينمائية التي تتناول الصراع بين فلسطين وإسرائيل، وتتحيز فيه بشكل واضح للطرف الإسرائيلي؛ بسبب السيطرة اليهودية على هوليوود، وذلك في العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي في فترة الحروب، وعلى إثر ذلك، هاجر العديد من الناس خوفاً من الموت، كما وهاجر يهود ألمانيا وأوروبا الشرقية إلى هوليوود تحديداً.

       وفي الخمسينيات، صنعت هوليوود أفلاماً تروج للفكر الصهيوني، وإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، ووصفت الأخيرة بأرض من غير شعب، ويعيش فيها بعض  الجهلة، وتم إنتاج أول فيلم عن فلسطين عام 1953، والمستوحى من رواية ميشيل بلانكفورت، الذي عرض قصة يهودي هارب من المحرقة النازية، ويتخيل وطنه على أرض فلسطين، وفيلم نزوح الذي أنتج عام 1960، من إخراج اليهودي أوتو بريمنغير، والمأخوذ عن رواية ليون يوريس، حيث كانت قصة الفيلم تتحدث عن نضال اليهود، وهجرتهم من أوروبا إلى فلسطين، ومن بينهم آري بن كنعان قائد عصابات الهاغانا اليهودية، وسعيهم إلى تحقيق حلمهم في إنشاء وطن قومي على أرض المعياد، حسب الراوية الصهيونية.

       تغيرت توجهات سينما هوليوود اتجاه القضية الفلسطينية، وخصوصاً بعد تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964، وتمثيلها للشعب الفلسطيني أمام العالم، ودورها في نشر القصة الحقيقية وتعزيز الرواية الفلسطينية، حيث لم تعد إسرائيل ضحية بنظر العالم الغربي، ولكن بعد العمليات التي قام بها الفدائيون الفلسطينيون، ومنها العملية التي وقعت عام 1968، حيث تم اختطاف طائرة العال من قبل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وعملية ميونخ ضد الفريق الإسرائيلي المشارك في دورة الأولمبياد في مدينة ميونخ الألمانية عام 1972، التي نفذها تنظيم أيلول الأسود آنذاك، أصبح الفلسطنيون بنظر الغرب عبارة عن إرهابيين، وتعززت هذه النظرة أيضاً بعد عملية الساحل، أو ما يسمى بعملية كمال عدوان، التي نفذتها فرقة دير ياسين بقيادة دلال المغربي عام 1978، والتي استهدفت حافلة إسرائيلية متجهة من حيفا إلى تل أبيب.

      وكان دور السينما الفلسطينية مهماً جداً في تغيير الصورة النمطية في هوليوود، فجذور السينما الفلسطينية تعود إلى ما قبل عام 1948، ولكن شهرتها ازدادت بشكل كبير مع انطلاق الثورة الفلسطينية 1_1_1965، حيث تم إنتاج العديد من الأفلام الوثائقية التي تسلط الضوء على القضية الفلسطينية، وتنشرها بشكلها الصحيح؛ كي تصل إلى العالم أجمع.

       وفي العصر الحديث، سينما هوليوود تنقسم ما بين مساند ومعارض للقضية الفلسطينية في مختلف إنتاجاتها، ففي عام 2005، أنتجت فيلماً تحت اسم ميونخ للمخرج الأمريكي ستيفن سبيلبرغ، والكاتب توني كوشنير، وإيريك روث، ومن بطولة الممثل إريك بانا، وتدور أحداث الفيلم حول عملية ميونخ التي نفذتها منظمة أيلول الأسود عام 1972، حيث تستغل إسرائيل هذه العملية لصالحها، وتستثمر بها في تلميع صورتها حتى وقتنا هذا، وألمانيا تقدم الاعتذار لإسرائيل على عملية ميونخ في الكثير من مناسباتها، وفي المؤتمر الصحفي المشترك ما بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس والمستشار الألماني أولاف شولتز في برلين عاصمة ألمانيا، طلب الأخير من الرئيس عباس الاعتذار عن عملية ميونخ، ولكنه بالطبع رفض ذلك، وكان رد الرئيس الفلسطيني في مقولته: “ومن يعتذر عن العمليات التي نفذتها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني منذ عام 1948؟

      وعندما يكون مخرج الفيلم أمريكي من أصل يهودي، فهو يقوم كعادته بطرح وجهة نظره في قضية معينة دون العودة إلى التاريخ، كما ويقوم بطمس الحقائق بذكاء ملحوظ، من خلال تسليط الضوء على حقبة زمنية معينة داخل الفيلم، وتجاهل التسلسل التاريخي في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وهذا ما يظهر بشكل جلي في فيلم ميونخ، وتركيزه على عملية ميونخ في الفيلم دون غيرها من الأحداث، حيث إن بداية قصة الفيلم هي عبارة عن تنفيذ عملية ميونخ من قبل الفلسطينيين، وخطف لاعبين رياضيين مسالمين دون تردد، وبذلك يصور الفلسطينيين كإرهابيين دون التطرق للمذابح السابقة التي ارتكبتها إسرائيل في حقهم.

       ومن ضمن أحداث الفيلم، وبعد عرض مشهد العملية، تقرر إسرائيل اغتيال كل من شارك في تنفيذ العملية، وتكلف أشخاصاً من قبل رئيسة الوزراء لدى دولة إسرائيل غولدا مائير لإتمام المهمة، ومطاردة الفلسطينيين بقيادة آفي كوفمان، حيث قالت مائير خلال اجتماع لها: إن الفلسطينيين لا يريدون العيش بسلام وتقاسم الحياة؛ لذلك يجب ألا تفكر إسرائيل بالسلام، لتنطلق الأحداث في مطاردة الفريق الفلسطيني.

       وبالرغم من تناول الفيلم لأحداث واقعية دون أي تغيير، إلا أنه قام بتمثيل صورة الفلسطينيين بطريقة مهينة، وخداع المشاهد عن طريق إظهار الفلسطيني بصورة الإرهابي، والإسرائيلي بصورة الإنساني، وكان ذلك واضحاً في المشهد الذي أظهر تأنيب الضمير لدى الفريق الإسرائيلي خلال عملية قتلهم للفريق الفلسطيني، وبهذا فهم يختلفون عن القتلة الفلسطينيين الذين قاموا بعملية القتل دون أي تردد، ويلاحظ المتابع لجميع أفلام هوليوود المتعلقة بهذا الشأن تحيزها للإسرائيلين، وهم دائماً الساعون إلى السلام، ويطرحون مبادرات سلام على الفلسطينيين.

       وكان من ضمن سلسلة أفلام هوليوود المساندة للقضية الفلسطينية فيلم ( ميرال)  إنتاج عام 2010، حيث تبدأ أحداث الفيلم قبل عام من النكبة الفلسطينية إلى إتفاقية أوسلو، ووفاة هند الحسيني عام 1994، ويدور الفيلم حول إظهار جهود هند الحسيني في إنشاء دار الأيتام، وتسلسل الأحداث التاريخية التي وقعت في تلك الفترة، من خلال عرض حياة أربعة نساء وهن: هند، ونادية، وفاطمة، وميرال بطلة الفيلم.

       صور الفيلم الحياة الإجتماعية في مدينة القدس قبل النكبة الفلسطينية، والحياة اليومية في القدس، من خلال الاحتفال بعيد الميلاد المجيد، والحياة الكريمة قبل فترة قصيرة من النكبة الفلسطينية، ومن ثم عرض مواد أرشيفية عن النكبة الفلسطينية عام 1948، من ضمنها احتفال اليهود بقيام دولة إسرائيل، والمذابح التي ارتكبتها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني، وتهجيرهم القسري، وبالتالي يكشف فيلم ميرال بهذه الصور زيف الرواية الصهيونية التي تدعي بأن فلسطين كانت أرضاً بلا شعب، ويسكنها بعض الجهلة على حد تعبيرهم، وأن الدين اليهودي يأمرهم بالعودة إلى فلسطين، وإقامة وطن قومي لهم فيها، وكنتيجة لهذه الخرافات، وتصديق الكذبة قاموا بسلب أرض وحياة الشعب الفلسطيني، ولم يكتفوا بهذا فحسب، بل استغلوا سيطرتهم على سينما هوليوود في بداياتها، وأنتجوا العديد من الأفلام التي صورت الشعب الفلسطيني بالإرهابي، والهمجي، وغير المتعلم، والذي يستعمل الألفاظ البذيئة، وفي المقابل أظهر فيلم ميرال عكس كل ذلك؛ عن طريق تسليط الضوء على حياة النساء المتعلمات، والكشف عن الحقائق المزيفة، ومن الجدير ذكره أن الفيلم للكاتبة الإيطالية من أصل فلسطيني رولا جبريل، والمخرج جوليان شنابل، وهو مخرج أمريكي يهودي الأصل، وفي ذلك ساهم الفيلم بنقل صورة حقيقية وواقعية عن الوضع الفلسطيني بشكل عام، وأوضح الفرق بين اليهودي والصهيوني من خلال طاقم العمل.

       وينتهي الفيلم بوفاة هند الحسيني، وتم التنويه في النهاية إلى أن المدرسة ودار الأيتام ما تزال موجودة حتى الآن، والخاتمة كانت عبارة عن مواد أرشيفية وقعت أحداثها بعد إتفاقية السلام، وعودة منظمة التحرير إلى فلسطين بقيادة الرئيس ياسر عرفات.

       واللقطة النهائية في الفيلم والمفاجئة كانت لإسحاق رابين رئيس الوزراء الإسرائيلي، وهنا يكمن السؤال، لماذا إسحاق رابين، وليس الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات؟! ومن هنا يظهر انحياز الغرب لليهود حتى عند مناصرتهم للقضية الفلسطينية، حيث كان من الواجب اختيار خاتمة مناسبة وفلسطينية، تحديداً لاختتام أحداث فيلم تناول القضية الفلسطينية بشكل أساسي، من خلال حياة النساء الفلسطينيات، ومثل هذه اللقطة المختارة، فهي انحياز بشكل واضح وصارخ لإسرائيل، واستفزازي للمشاهد الفسطيني، لأن مدلولها هو أن السلام انتصار لدولة إسرائيل.

       وعند تحليل أحداث الفيلم الكندي ( ما شاء الله ) الذي أنتج عام 2012، من إخراج وكتابة أنياس باربو، وبطولة الممثلة إيفيلن بروشو، نجد بداية الفيلم تتناول قصة فتاة كندية من أصل فلسطيني اسمها كلوي، حيث تعمل هذه الفتاة كطبيبة في جميعة الهلال الأحمر الفلسطيني، وتتنقل في سكنها ما بين الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 ومدينة رام الله، وكانت تعيش في السابق مع والدتها في كندا، ولكنها تقرر العودة إلى وطنها فلسطين؛ لأنها ترغب في الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني، وتقديم المساعدة من خلال عملها كطبيبة.

       المشهد الإفتتاحي من الفيلم عبارة عن طفل يهودي جميل وأنيق يتواجد مع عائلة يهودية في مكان راقٍ ونظيف وحضاري، وتركز الكاميرا على عيني الطفل في اللقطات القريبة، وهو ينظر إلى حمامة في داخل القفص، حيث يرمز الحمام عادة إلى السلام، ومدلول هذه اللقطة ترمز إلى فكرة معينة توجد في عقل المخرج، يود طرحها وزرعها في عقل المشاهد.

      وخلال تسلسل الأحداث في الفيلم، وفي مشهد معين تظهر فيه كلوي وهي تتجول مع صديقتها اليهودية المجندة في شوارع فلسطين المحتلة، تطلب كلوي من صديقتها المجندة تصويرها عبر كاميرا الهاتف الخلوي، وقول جملة أهلاً فلسطين، حيث ترددت صديقتها المجندة في البداية، ولكنها قالت الجملة بعد ذلك، وبعد متابعة المشاهد الأولى من الفيلم يتكون في ذهن المشاهد أن المجندة الإسرائيلية هي بطلة الفيلم.

       تتضح الرسالة من مشهد الصداقة هذا بين كلوي والمجندة الإسرائيلية بعيداً عن الحرب والصراع بين إسرائيل وفلسطين، ومشهد الطفل اليهودي والحمامة، والتي تدعم نفس الفكرة، وهي العيش بسلام بين الفلسطيينين والاسرائيليين، وتردد المجندة بحد ذاته في ترحيبها بفلسطين، يعني أن السلام يتحقق رغم ما فعلته إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني.

      قد يحمل هذا المشهد بالطبع العديد من المعاني، ولكل محلل رؤيته الخاصة، وتفسيره لتفاصيله ومعناه، حسب وجهة نظره، ومن وجهة نظري الشخصية، وتحليلي لهذا المشهد هو أن لدى القائمين على العمل رغبة واضحة بإيصال ونشر فكرة السلام والتعايش بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

      فكرة الفيلم عبارة عن أحداث واقعية وحقيقية، توضح معاناة الشعب الفلسطيني دون أي تزييف للواقع، ولكنه يحمل في طياته رسالة معينة يرغب المخرج في إيصالها إلى عقول الجمهور، فمن المفترض أن فيلماً يتناول معاناة الشعب الفلسطيني، لا بد من افتتاحه بمشهد لطفل فلسطيني يشارك في مواجهات سلمية، ويعامل بهمجية من المحتل كما يحصل على أرض الواقع، أو مشهد يظهر معاناة الفلسطينيين على حواجز الاحتلال، أو ربما مشهد إعدام لفلسطيني دون رحمة على سبيل المثال.

        كما ويمكن تفسير المشهد الافتتاحي للفيلم بالرجوع في التاريخ إلى الوراء، عندما كانت كندا من ضمن 33 دولة صوتت على قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين عام 1947، وبعد أسبوعين من  إعلان قيام دولة إسرائيل، تم تعيين أفراهان هارمان أول قنصل عام لإسرائيل في كندا، وفي عام 1953 افتتحت السفارة الكندية في تل أبيب، وسفيرها مايكل كومباي، حيث كانت كندا من البداية مع حل الدولتين؛ لذلك من الطبيعي أن مخرجاً كندياً سوف يتأثر بسياسة دولته بشكل أكبر من معرفته بمعاناة الشعب الفلسطيني، وممارسة الاحتلال الأساليب الهمجية ضده، مع محاولة الترويج للوصول إلى حل سلمي، والتعايش بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

       ويسلط الفيلم الضوء على معاناة الشعب الفلسطيني على الحواجر الإسرائيلية، من خلال مشهد مرور كلوي على الحاجز الإسرائيلي، ووجود العديد من فئات المجتمع المتضررة مثل: عمال ينتظرون الدخول إلى أماكن عملهم، وتجار الخضروات والفاكهة، وسائقي سيارات الأجرة، والطفل الذي يبيع شعر البنات، وأظهر المشهد أيضاً صورة لجدار الفصل العنصري، وهي صورة واقعية دون أي تحريف أو تزييف.

       ومن ثم عرض الفيلم مشاهد من داخل المخيم، حيث مرت كلوي بين أزقة المخيم، وتعرضت لمضايقات من قبل الأطفال الفلسطينيين، وتصور أطفال مخيمات فلسطين بصورة الهمجيين، وتعاملهم غير اللائق مع الآخرين، وهنا السؤال الذي يطرح نفسه، لماذا لم يظهر الفيلم أن الطفل الفلسطيني خلوق، ويحسن معاملة الآخرين، وهو الطفل المشرد والمظلوم على أرض محتلة؟

       إظهار الطفل الفلسطيني في مثل هذه الصورة النمطية تجعل من الحاقدين على القضية الفلسطينية يؤيدون الممارسات القمعية ضد الطفل الفلسطيني من قبل  الاحتلال الإسرائيلي، فهو طفل لا يستحق الحياة، ومن يستحق الحياة هو الطفل اليهودي الذي ينظر إلى حمامة السلام.

       وفي المشهد الذي جمع كلوي مع الفتاة الفلسطينية رند قرب جدار الفصل العنصري، والتي كانت تهتم كلوي في حملها، تصرف الأطفال مع كلوي بشكل غير مقبول أيضاً، حيث قام طفل بالتمثيل بإجراء مكالمة هاتفية، وكان الهاتف عبارة عن حذاء، ثم قام بإلقاء الحذاء على كلوي، وكان رد الأخيرة بالمقابل لائقاً مع الطفل، حيث قامت بمسك الحذاء، والتعامل على أنه هاتف خلوي، ومثل هذه المشاهد، فإن المخرج يتعمد فيها بإخراج الطفل الفلسطيني من طابع الطفولة إلى طابع الطفل الهمجي، الذي لا يحترم الآخرين، فما الهدف من وراء هذا التشويه لصورة الطفل الفلسطيني؟

       وفي نهاية المشهد تم إطلاق النيران على الفلسطينيين من قبل الجيش الإسرائيلي، وفر الجميع من المكان؛ ليكشف الفيلم عن معاناة الشعب الفلسطيني من ممارسات الاحتلال الذي قام بطرده من بيته؛ من أجل بناء الجدار، ويستمر في قمعه كل يوم.

       وفي مشهد آخر، ظهر فيه بعض الأطفال يلعبون في القمامة مع تصاعد صوت الانفجارات، وهنا يوضح الفيلم كمية معاناة أطفال فلسطين وظروفهم الصعبة، ولكنه كان من الأولى للمؤلف والمخرج استبدال تلك اللقطة بلقطة طفل يتناول الطعام، أو يدرس وهو خائف من صوت الإنفجارات.

       ومن ثم تمر كلوي من المكان، حيث تلتقي بطفل فلسطيني يتعامل معها بأسلوب غير لائق، وعند مرور جيب عسكري إسرائيلي، يركض الأطفال باتجاه الجيب العسكري، وتركض كلوي وراء طفل رند محاولة منعه من الاقتراب من الجيب العسكري، ثم يقوم الطفل الذي أزعج كلوي سابقا بالتسلق على الجيب العسكري، فيتعمد السائق حينها إيقاع الطفل عن الجيب، ودهسه بشكل إجرامي ومتعمد، تنصدم كلوي من المشهد الإجرامي الذي يدمج بين أحداث واقعية وبين الصورة النمطية للطفل الفلسطيني الذي يرسمها هذا المشهد، فهو طفل فلسطيني يحمل حجارة للمقاومة، وليس لكونه همجياً، وهو يعلم أن هذا الجندي سرق أرضه، وقتل أبناء شعبه، وأجرم بحقه وحق عائلته، ومجرد تسلق الطفل الجيب العسكري يبرر ذلك قتله من وجهة نظر الحاقدين على القضية الفلسطينية، فهل يعني ذلك أن الأطفال الفلسطينيين الذين تم تهجيرهم من قبل الاحتلال لم يكن لهم بيت يأويهم؟ ولماذا لم يتم تمثيل الطفل الفلسطيني بصورة الطفل الخلوق والمتعلم الذي ظلم، وطرد من بيته؛ من أجل بناء جدار الفصل العنصري؟ من المؤكد أن كل تلك المشاهد ليس مصادفة، وهناك أهداف خفية وراء نشر تلك الصورة النمطية عن الطفل الفلسطيني.

      فيلم ( إن شاء الله ) روج لفكرة التعايش، من خلال نقل الواقع دون تزييف، وحين نعود قليلاً إلى صورة الفلسطيني في أفلام هوليوود في بداية إنتاجها السينمائي، والسيطرة اليهودية عليها، حيث وصفت أفلامهم حينها فلسطين أرضاً بلا شعب، ويعيش فيها بعض الجهلة، وهذا ما يظهره أيضاً فيلم ( إن شاء الله ) الذي يعتبر من الأفلام المساندة للقضية الفلسطينية، من خلال صورة الطفل الفلسطيني الهمجية، فهل يعقل أن الطفل الفلسطيني لا يحترم الآخرين، ويتعامل بمثل الطريقة التي صورها الفيلم؟ وما الهدف من إظهار الفيلم للشعب اليهودي بمظهر الشعب المتحضر، بينما الشعب الفلسطيني همجياً ولا يحسن التصرف؟ هل من المعقول أن مخرج الفيلم لا يعلم بمجريات الواقع الفلسطيني، وصورة الشعب الفلسطيني الحقيقية؟ ولا يعلم أن الطفل الفلسطيني قاوم الاحتلال بالحجر! هل من الممكن أن مخرج الفيلم متأثر بأفلام هوليوود؟ وهل من المعقول أنه لم يجر أبحاثاً كافية على ما يحصل على الساحة الفلسطينية وصورة الشعب الفلسطيني؟ أم أن هناك أهدافاً مبطنة وراء هذا الفيلم؟! إنها رسالة واضحة جداً ومتعمدة؛ لتشويه صورة الفلسطيني.

       وخلال حديث بين كلوي وصديقتها المجندة، وسؤالها عن الإعلام الإسرائيلي لم تقل شيئا عن الطفل الشهيد، حيث قالت المجندة: لقد غطوا على هجوم المستعمرة، وأن ذلك الحدث بالنسبة لهم مجرد عمل يومي يقوم به جنود الاحتلال.

      المشهد الختامي من الفيلم هو استشهاد رند صديقة كلوي، حيث قامت بتنفيذ عملية استشهادية تنتقم فيها من الاحتلال الإسرائيلي الذي تسبب في موت طفلها على الحاجز، لتخرج كلوي بعد سماعها الانفجار، ويظهر على وجهها الحزن والألم مما يحصل من إنتهاكات متعمدة من قبل الإحتلال والتي تؤدي بالفلسطيني إلى الانتقام، وفي هذا المشهد تبرير للعلميات الاستشهادية التي كان سببها جرائم الجيش الإسرائيلي.

       في الحقيقة، صور الفيلم معاناة الشعب الفلسطيني بشكل واقعي دون أي تزوير، ووضح بشاعة جرائم الاحتلال بحق الفلسطينيين بصور من أرض الواقع، ودور الفتاة الفلسطينية كلوي في مساعدة رند، ورغبتها بالاستقرار في موطنها فلسطين، وهي فتاة فلسطينية متعلمة تترك رغد الحياة في كندا؛ من أجل وطنها الأم فلسطين، ولكن المشكلة في الفيلم تكمن في تشويه صورة الطفل الفلسطيني، فما هو مبرر مثل هذه الصورة؟ هل فعلا مخرج الفيلم يناصر القضية الفلسطينية؟ وهل المناصرة في إظهار صورة مزيفة عن الطفل الفلسطيني، حيث يتم تصوير الطفل الفلسطيني بهذه الطريقة التي تقلل من التعاطف معه، وخاصة من قبل الحاقدين على القضية الفلسطينية؟

      وحين نتناول السينما المصرية التي أنتجت العديد من الأفلام التي تتعلق بالقضية الفلسطينية، ومن ضمنها فيلم ( ولاد العم ) الذي أنتج عام 2009، فهو عبارة عن طرح لقصة مصرية بحتة، والممثلون هم مصريون أيضاً، والقضية الفلسطينية ما هي إلا أحداث ثانوية متعلقة بمكان الحدث، الفيلم من إخراج شريف عرفة، وبطولة الممثل كريم عبد العزيز في دور مصطفى ضابط في المخابرات المصرية، والممثلة منى زكي في دور سلوى، والممثل شريف منير في دور ضابط الموساد الاسرائيلي دانيال.

         تدور أحداث الفيلم حول الصراع الإسرائيلي والمصري، وقضية تجنيد الجواسيس في مصر بعد تسعة وعشرين عاماً من اتفاقية السلام كامب ديفيد بين إسرائيل ومصر عام 1979م، التي تم توقيعها في فترة حكم الرئيس المصري أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحم بيغن.

       المشهد الإفتتاحي من الفيلم هو لعائلة مصرية مشابهة لباقي العائلات المصرية في البساطة، وممارسة الحياة اليومية، تقرر هذه العائلة الذهاب في رحلة إلى البحر، وتكتشف الزوجة خلال هذه الرحلة، وفي عرض البحر أن زوجها هو يهودي، وضابط في الموساد الإسرائيلي.

        قصة الفيلم تدور حول زواج ضابط الموساد الإسرائيلي دانيال من سلوى الفتاة المصرية التي أوهمها أنه عربي مسلم، وبعدما طلب الموساد الإسرائيلي بعد عدة سنوات من الزوج العودة إلى إسرائيل، قرر حينها خطف زوجته وأبنائه عبر البحر؛ لتنصدم سلوى، وتكتشف عند وصولها المكان أنها كانت تعيش في خدعة كبيرة طوال حياتها الماضية، وتكون بين  خيارين إثنين: إما الهرب، أو تقبل الحياة في دولة إسرائيل.

       طرح فيلم ( ولاد العم ) فكرة التعايش، من خلال محاولة دانيال إقناع زوجته سلوى تقبل الحياة في دولة إسرائيل، كما وأظهر الفيلم أن المواطن الإسرائيلي يسعى إلى العيش بسلام، بعيداً عن الحروب، بخلاف ما يحصل على أرض الواقع في فلسطين، لذلك، يعتبر فيلم ( ولاد العم ) مسانداً لأفلام هوليوود في تناولها القضية الفلسطينية من خلال ربط مبادرات السلام في دولة اسرائيل.

     وفي فيلم ( ولاد العم ) تم تلميع صورة اليهود الهاربين من الظلم، من خلال حوار بين سلوى ووالدة دانيال يتمحور حول هربهم من الإسكندرية؛ خوفاً من  الرئيس المصري جمال عبد الناصر، وأن يحل بهم  مثل المحرقة النازية، وفي ذلك ساند أفلام هوليوود في فترة الخمسينيات، من خلال فيلم ( المشعوذ ) الذي تم إنتاجه عام  1953، والذي صور اليهود ضحايا المحرقة النازية، ويحلمون في وطنهم الجديد في أرض الميعاد  فلسطين، حسب الروايات اليهودية.

      كما وأظهر فيلم ( ولاد العم ) فلسطينيي48 بصورة الجبناء، وتجلى هذا الأمر بشكل واضح في مشهد هروب سلوى مع أبنائها، وخلال تجوالها في شوارع تل أبيب عندما التقت برجل فلسطيني، وطلبت منه المساعدة، ولكن ردة فعله كانت غير متوقعة، وكان خائفاً جداً من إسرائيل، وبطبيعة الحال لا يعكس هذا المشهد واقع فلسطينيي 48، حيث إن حياتهم طبيعية هناك، ويتحدثون بين بعضهم في الشوارع الإسرائيلية دون خوف، بالإضافة إلى صمودهم في وجه اليهود المتطرفين.

        وصور الفيلم الفتاة الفلسطينية التي تبيع شرفها من أجل النجاة، في مشهد هروب دارين وضابط المخابرات المصرية مصطفى من مطادرة الشرطة الإسرائيلية بعد أن أوقفها عن تنفيذ العملية الاستشهادية، وقاموا بالاختباء في السيارة، وطلب منها الضابط المصري أن تتعرى حتى لا تشك بهم الشرطة الإسرائيلية، ولم يسلم فلسطينيو الضفة الغربية من تشويه صورتهم عبر إظهار مشاركة العمال في بناء الجدار العازل، حيث اتهم الفيلم الفلسطينيين ببيع القضية من خلال هذا المشهد.

       وفي المشهد الختامي من الفيلم، تم إنقاذ الفتاة المصرية، وقتل الزوج دانيال، ومن ثم نظر الضابط المصري مصطفى اتجاه فلسطين، وقال: سنعود، ويقصد بهذا العودة إلى فلسطين؛ بهدف تحريرها من الاحتلال الإسرائيلي، حيث أظهر الفيلم عدم رغبة العرب في السلام على الرغم من توقيع اتفاقية السلام ما بين مصر وإسرائيل، وبرأيي، كان من الأفضل أن يتم تناول القصة خارج إطار السلام؛ لأن القضية الفلسطينية قضية عالمية يجب التفكير بها مطولاً قبل إنتاج الأفلام السينمائية، حيث إن سينما هوليوود حتى هذا العصر لا زالت تنتج أفلاماً ما بين مؤيد ومعارض للقضية الفلسطينية، لذلك من الواجب إنتاج أفلام تواجه أفلام هوليوود بالمضمون والمستوى.

      وبالرغم من احتواء الفيلم على العديد من الأخطاء والرسائل الخفية، إلا أن القصة بشكل عام مشوقة وغير مبتكرة.

        وأنتجت السينما المصرية – كما ذكرت سابقاً – الكثير من الأفلام المساندة للقضية الفلسطينية بشكل مؤثر، ومن هذه الأفلام: فيلم ( أصحاب ولا بزنسس ) عام 2001، وهو من إخراج علي إدريس، وبطولة الممثل مصطفى قمر، والممثل هاني سلامة، وتناول هذا الفيلم موضوع العمليات الاستشهادية في فلسطين.

       تدور أحداث الفيلم حول صديقين إعلاميين هما: كريم وطارق، ويعملان كلاهما في قناة تلفزيونية، وكانت بينهما منافسة على حملة إعلانات ضخمة، والمفارقة أنه تصادف موعد الترشيح مع موعد قيام إنتفاضة الأقصى عام 2000، فيقرر مسؤول القناة حينذاك المشاركة في تغطية أحداث الإنتفاضة، وإرسال أحد الصحفيين إلى فلسطين ، ليقع الاختيار على كريم؛ من أجل القيام في التغطية الإعلامية حول الإنتفاضة الفلسطينية.

        وخلال تواجد كريم في فلسطين يتعرف على أحد المعجبين، ويطلب منه  الأخير تصويره خلال تنفيذه لعملية استشهادية؛ وذلك بهدف عرضها على القناة، وإيصال صوت فلسطين إلى العالم العربي، إلا أن مسؤول القناة رفض عرضها، وفي نهاية الفيلم يتمكن كريم من عرضها بمساعدة صديقه طارق خلال تقديمه لأحد البرامج على القناة المصرية، وبهذا يبقى مشهد تنفيذ العملية الاستشهادية حياً، ومرافقاً للمشاهد طوال حياته.

       تناول المقال القضية الفلسطينية في السينما الروائية، وسلط الضوء على البلدان الأكثر شهرة في السينما، كسينما هوليود والسينما المصرية.

       من خلال مشاهدتي للعديد من الأفلام المصرية، لاحظت مساندة السينما المصرية للقضية الفلسطينية، من خلال اهتمامها بإنتاج أفلام تتناول مواضيع عن القضية الفلسطينية، وصورت السينما المصرية ابطال مصر، ودفاعهم عن القضية الفلسطينية.

       وبما يخص سينما هوليوود، والتي تغيرت نظرتها تجاه القضية الفلسطينية؛ وذلك بسبب ظهور السينما الفلسطينية، وتأسيس منظمة التحرير الفلسطينية، وتمثيلها للشعب الفلسطيني أمام العالم، ولكن بالرغم من الظلم الذي تعرض له الشعب الفلسطيني من سرقة ارضه وارتكاب المجازر بحقه، الا ان سينما هوليوود تدعو إلى السلام وحل الدولتين، ولكن أفلام هوليوود بشكل عام سواء كانت مساندة للقضية الفلسطينية او مشوهة، الا انها تربط مبادرات السلام في الطرف الأسرائيلي، ولكن هذا لا يعكس الواقع، فلا يخفى على أحد أن هذه الدولة الاحتلالية هي من ترفض السلام.

آخر الأخبار

أحدث البرامج