Search
Close this search box.

20 عاما على استشهاد “مريم وشاحي”.. خبز المقاتلين في مخيم جنين

مهند وشاحي

وفا- يامن نوباني

قبل عشرين عاما بالتمام، نام الطفل مهند وشاحي (12 عاما آنذاك) ليلة الرابع من نيسان 2002 وهو يمسك يد والدته الشهيدة.

نهارا  كاملا وليلة ومريم وشاحي (53 عاما) تتألم وتئن بهمس ودون حراك، بعد أن أصابت شظايا قذيفة اسرائيلية رأسها في السادسة والنصف من صباح الثالث من نيسان 2002، قبل أن تستشهد في نفس الوقت من صباح اليوم التالي، ويلحقها ابنها منير بعد يوم واحد، بتاريخ 5 نيسان.

عشرون عاما مرت، وما زالت دمعة مهند وشاحي، واقفة مكانها، بمدخل العين، لا تعود إلى الداخل وتكتم الحزن، ولا تنزل وتريحه من الألم.

كان مهند وشاحي طفلا في الـ12 من عمره، حين جمع جيش الاحتلال من هم دون الـ15 عاما والنساء في مقر الهلال الأحمر في جنين، هناك سيلتقي بصديقة والدته “أم الفوز” التي توفيت قبل عدة أشهر.

ستستقبل أم الفوز مهند بالأحضان لتواسيه باستشهاد شقيقه منير (17 عاما)، بينما يهرع مهند إلى أم الفوز ليبلغها استشهاد والدته، صديقتها مريم. لا مهند يعلم باستشهاد منير ولا أم الفوز تعلم باستشهاد مريم!.

يقول مهند: يقع بيتنا تقريبا في بدايات المخيم، كانت أمي تعد في الأيام الثلاثة الأولى لاجتياح المخيم الخبز والمناقيش والشاي والقهوة لتوزيعها على الشبان المدافعين عن المخيم. ولم تكتف بوجبة الإفطار، بل كانت تعد ما يتيسر في البيت من طبخات، وكانت آخر طبخة قبل اسشهادها، رز بلبن. حيث قمت أنا بتوصيل طنجرة للمقاتلين في المخيم، بينما طبخت لنا في البيت طنجرة أخرى، كان الشبان يسحبون الطناجر بالحبال بين زقاقين! خشية القناصة.

يستذكر مهند كيف تم وصول إحدى الطبخات إلى المقاتلين: نادى الشبان على أمي ألا تخرج لأن قناصة جيش الاحتلال منتشرين في البيوت المحيطة، فانتظروا حتى بدايات هبوط الليل حيث ساد هدوء نسبي، فقاموا بوضع خشبة يعلوها طربوش وتحريكها في الشارع في منطقة مكشوفة، وحين تأكدوا من عدم انتباه القناصة، رموا بحبل تمكنوا من خلاله من سحب طنجرتي طبيخ.

“في بدايات الاجتياح بدأ الناس في المخيم يخرجون إلى أماكن أكثر أماناً، فيما يشبه نكبة صغيرة، وأمي تصرخ فيهم: وين يا ناس، مش بكفينا طلعنا بـ48، ارجعوا! حتى وجدنا أنفسنا بيت وحيد مأهول في تلك الأيام العصيبة” يقول مهند.

ويضيف: كان شقيقي منير، طالبا في الثانوية العامة، متفوقاً في دراسته، له أحلامه، لكن اجتياح المخيم جاء ليوقفها جميعا، ويمنحه ما نحلم به جميعاً، الاستشهاد من أجل فلسطين.

ويقول: كان منير شبلاً شرسا في مقارعة الاحتلال، لا يهابه، أصيب قبل استشهاده بشظية، ثم واصل مع أقرانه الدفاع عن المخيم بكل الوسائل البسيطة إلى أن استشهد على أرض المخيم.

يتابع مهند: ليلة استشهادها نمت إلى جانب أمي، واستقيظت عليها في حدود السادسة صباحا وهي تعد العجين، أخبرها والدي أنه القناصة ينتشرون في المكان، خاصة في أحد البيوت المهجورة مقابل بيتهم، طالباً منهم أن لا تخرج هذا الصباح حتى تتبين الأمور ويكون بالإمكان المغامرة وايصال الخبز إلى المقاتلين.

يضيف: وقفت مع أمي قبل استشهادها بدقائق على النافذة لنتابع تحركات الجيش لكننا لم نر شيئاً، فتوجهت إلى عجينها بينما توجهت إلى ممر في البيت، وفي لحظة واحدة سمعت صوت انفجار قوي هز البيت ودخان كثيف استمر لدقائق طويلة، هنا بدأت أنادي على أمي، لكنها لم ترد على مناداتي.

يتابع مهند: بعد أن تلاشى دخان القذيفة ذهبت إلى الغرفة التي كانت فيها، فوجدتها ممدة دون حراك ورأسها ينزف فوق العجين! فقط تصدر أصوات ألم مخنوق، فجاء والدي بشاش ويود وقمنا برفع رأسها في محاولة لإيقاف النزيف.

آخر موقف بيني وبينها، أن وضعت يدي في يدها، فقامت بالشد على يدي، وكانت تنادي على أشقائي منير ومها.. هذه آخر كلمات نطقت بها. يقول مهند.

ويضيف: طيلة النهار ووالدي يحاول إنقاذها، تمكن من الاتصال بسيارة اسعاف لكن جنود الاحتلال كانوا يطلقون النار تجاهها كلما اقتربت من بيتنا، 24 ساعة وهي مصابة بحالة حرجة، تنزف وتتألم، نمت قربها تلك الليلة، وحين استيقظت فجر اليوم التالي وجدت أبي قد غطى وجهها بمنديلها الأبيض، فسألته عن السبب، لكنه لم يجبني وطلب مني الابتعاد عنها، لأنها نائمة وبحاجة إلى الراحة.

ويروي: صليت الفجر وعدت للجلوس إلى جانبها، لكنها لا تتحرك ولا تصدر أي صوت، انتابني احساس بالخوف عليها، وقمت برفع المنديل عن وجهها، فرأيت بقع دم على فمها، شعرت أن والدي يخفي عني استشهادها. انتظرت طويلاً أي حركة منها أو حتى أن تتألم كما كانت في الأمس، لكن، شيئا لم يتحرك فيها ولا أي همسة، وحين عرفت أنها استشهدت قلت لها: “الحقتي صاحبتك أم العبد سميرة الزبيدي”، والتي استشهدت قبلها  بأسابيع خلال اجتياح للمخيم.

بقي جثمان والدتي يومين في البيت، حين طلب منا الجيش الخروج من المنازل، بعد أن جمعنا في ساحة قريبة من البيت، ونقل من هم دون الـ15 والاناث إلى الهلال الاحمر بينما نُقل الرجال إلى معسكر سالم الاحتلالي، يومها، كان أشقائي عبد الله وثائر في الساحة وسمعوا والدي وهو يصرخ في جيش الاحتلال بأن لدينا جثمان في البيت، ولم يكونوا يعلمون أنه جثمان والدتي، فسألني عبد الله لمن تعود الجثة التي في بيتنا؟ فأخبرتهما أن أمي استشهدت.

آخر الأخبار

أحدث البرامج