محافظة القدس: قلنديا على أعتاب التهجير القسري

وصفت محافظة القدس، أن ما يجري في قرية قلنديا شمال المدينة يُجسّد انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف، ويمثل عملية تهجير قسري منظّم بحق عشرات العائلات المقدسية، تحت ذريعة إقامة منشأة لمعالجة النفايات واستعادة الطاقة لصالح بلدية الاحتلال في القدس، على أراضٍ فلسطينية تقع خلف جدار الفصل والتوسع العنصري.

واعتبرت محافظة القدس في بيان أصدرته، اليوم الأربعاء، أن هذا المخطط يشكّل امتدادًا لسياسات الضم غير القانونية واستغلال الشعارات البيئية لتغطية أهداف استعمارية تهدف إلى تغيير الطابع الديمغرافي والجغرافي للمدينة المحتلة.

وأشارت إلى أن مخط الاحتلال يستهدف عشرات العائلات في قلنديا، حيث وزعت ما تُسمى “سلطة أراضي إسرائيل” قبل أسبوعين أوامر إخلاء تطالب عائلات بإخلاء منازلها وأراضيها الزراعية خلال 20 يومًا، مع تأكيد المواطنين في القرية عزمهم تقديم “التماسات قانونية” للطعن في القرارات.

ويعود المشروع إلى حزيران/يونيو 2024، عندما كلفت حكومة الاحتلال شركة “عيدن” التابعة لبلدية الاحتلال بتحديد موقع لإقامة المنشأة، حيث اقترحت الشركة قطعة أرض مساحتها 130 دونمًا في قلنديا، تضم سبعة مبانٍ سكنية على الأقل وأراضٍ زراعية، تمهيدًا لبناء منشأة معالجة النفايات واستعادة الطاقة.

وفي نيسان/أبريل الماضي، وقع وزير مالية الاحتلال المتطرف بتسلئيل سموتريتش إخطارًا بموجب المادة 19 من “أمر الأراضي” لتفعيل “مصادرتين” قديمتين تعودان لعامي 1970 و1982 لتجهيز الأرض للمشروع الجديد. وتشمل المصادرة الأولى بتاريخ 30 آب/أغسطس 1970 نحو 1,200 دونم للمنطقة الصناعية في “عطروت”، منها 390 دونمًا لأهالي قلنديا والباقي لبيت حنينا، بينما شملت المصادرة الثانية بتاريخ 1 حزيران/يونيو 1982 مساحة 137 دونمًا خُصصت لـ”منشأة أمنية”. ورغم أن معظم الأراضي استُخدمت لأغراض المصادرة، بقيت أجزاء منها مع المواطنين حتى أعاد سموتريتش تفعيل الأوامر القديمة لتسويغ المشروع الجديد، في خطوة تمثل التفافًا بيروقراطيًا على القانون لتوسيع السيطرة الإسرائيلية دون إصدار أوامر جديدة.

وأوضح البيان، أن سلطات الاحتلال تنفذ المصادرات عادة على مرحلتين: الأولى إشعار نية يصدره وزير المالية بموجب المادتين 5 و7، والثانية إشعار فعلي بالمادة 19 لتفعيل المصادرة، وقد أعادت في السنوات الأخيرة تفعيل أوامر قديمة بعد عقود طويلة لشرعنة الاستيلاء على أراضٍ جديدة دون إصدار أوامر رسمية جديدة.

ويشمل المخطط إعادة توجيه جدار الفصل والتوسع العنصري بحيث تقع مساحة الـ130 دونمًا داخل الجدار، ما سيؤدي إلى الاستيلاء على أراض إضافية وهدم المنازل القائمة بين المسارين الحالي والمقترح للجدار، وهو تناقض صارخ مع الادعاءات الإسرائيلية السابقة بأن مسار الجدار “أمني بحت”.

وذكرت المحافظة في بيانها، أن مقطع الجدار الذي بُني عام 2011 قد قضم نحو 40% من أراضي قلنديا الزراعية، وعزل ثلاثة عشر منزلاً، ما اضطر سكانها لقطع 11 كيلومترًا عبر حاجز عسكري بعد إغلاق البوابة المؤقتة التي فتحت بضغط قانوني.

وتعمل شركة “عيدن” حاليًا على إعداد المخطط التفصيلي للمنشأة، بالتعاون مع شركة Alefbet Architects وخبراء أجانب، تحت إشراف العقيد المتقاعد من قوات الاحتلال داني تيرزا، الذي أشرف على بناء الجدار سابقًا، والمحامي إيتاي أوفير، المستشار القانوني السابق لما تسمى “وزارة الأمن”. ومن المتوقع عرض المخطط على ما تسمى “اللجنة الوطنية للبنى التحتية” للمصادقة خلال عام، فيما يمكن لجيش الاحتلال المباشرة في إجراءات الاستيلاء على أراضي مسار الجدار الجديد.

وأكدت محافظة القدس، أن المشروع لا يشكّل تهديدًا سياسيًا فحسب، بل يخلق كارثة بيئية وصحية واسعة النطاق، إذ تتحول الأراضي الفلسطينية إلى مكب للنفايات الخطرة بما في ذلك النفايات الطبية، والمذيبات، والزيوت المستعملة، والمعادن الثقيلة، والبطاريات، والنفايات الإلكترونية، وتسبب هذه الممارسات تلوثًا للهواء والمياه والتربة، مع تداعيات صحية واقتصادية جسيمة على المواطنين، بما في ذلك ارتفاع معدلات الأمراض التنفسية والقلبية والسرطانية، وتدمير البيئة الزراعية والثروة الحيوانية والنباتية، مما يزيد الضغط على السكان ويؤسس لفرض واقع تهجيري وبيئي جديد في المدينة المحتلة، داعيةً المجتمع الدولي إلى التحرك العاجل لوقف هذه السياسات التمييزية وحماية السكان المقدسيين.