Search
Close this search box.

بعيدا عن فلسطين رحل الشاعر خالد أبو خالد

خالد أبو خالد

يامن نوباني – في الساعات الأخيرة من 2021، رحل في دمشق، خالد أبو خالد، الشاعر المحارب، حالماً بحافلات تعيد كل من تشردوا واقتلعوا وأصبحوا “لاجئين” في المنافي إلى مدنهم وقراهم عام 1948.

منذ خمسين عاما وهو يكتب لفلسطين، ناثرا فوق ربوعها خمسة عشر مؤلفا شعريا، ليلتقطها المنسيون والمنفيون والمصابون بالحنين القاسي للبلاد المحتلة، وحين يغيب عنه إلهام القصيدة، يرسم.

ولد الشاعر والفنان التشكيلي خالد أبو خالد، في بلدة سيلة الظهر في جنين، سنة 1937، ودرس في مدارس القرية وكلية النجاح الوطنية في نابلس، وهناك تعرف على الشهيد عبد الرحيم محمود صاحب “سأحمل روحي على راحتي وألقي بها في مهاوي الردى، فإمّا حياة تسرّ الصديق، وإمّا مماتٌ يغيظ العدى”، والذي استشهد في معركة الشجرة عام 1948.

من الذين أتيح لهم شرف الالتقاء بالشهيدين الأديب غسان كنفاني والفنان ناجي العلي، عرفت قصائده بأنها طويلة، ربما لتلائم رحلة النفي والتشرد الفلسطيني في كل العالم.

أستشهد والده محمد صالح الحمد، وكان من مجموعة الشهيد عز الدين القسام، مع خمسة من رفاقه قرب دير غسانة في رام الله في 18 أيار 1938، ودفن قرب مقام النبي لاوين في سيلة الظهر، ثم رحل جده الذي كان يعيلهم، ما اضطره للعمل في كل شيء ليواصل الحياة. في صغره كان يذهب للمقام المذكور وينشد قصائده على قبر والده الشهيد.

صغّرت أمه جاكيت والده الشهيد بما يناسب حجمه، فصار خالد في البيت هو محمد، عاش بين عمان والأردن والكويت، واستقر في سوريا، عمل في المقاومة التي أغنت قاموسه الشعري، وعمل في الصحافة وخاصة في الشؤون الثقافية في الكويت وسوريا، وحاور أدباء ومفكرين ومغنين كبار في الوطن العربي.

يقول في إحدى مقابلاته: حين أحن إلى نابلس أو الخليل أو القدس أو أي مدينة فلسطينية أخرج للمشي في دمشق، فنابلس هي دمشق الصغرى.

لبست أمه الأسود عشرين عاما، يقول: كان يليق بها الأسود. عمل في معصرة بلدته، وفي فك التبغ فوق السطوح، وقطف الزيتون، والفلاحة، والبيع المتجول، والمطاعم، وتعبيد الطرق، ومساعد سائق تراكتور، وفي عمان حلم بشراء فستان ملون لوالدته.

التصق جيلنا ومن سبقونا والآتون بأشعار خالد التي أصبحت أغاني على جدران المخيمات وفي ليل السجون، وفي غضب أطفال الحجارة وهم يعدون المتاريس، وخاصة: هلي علينا يا بشايرنا هلي، ظليت أغني وأشعل الدنيا بارود، وأكتب تاريخ العزة بعد المذلة، احنا تخطينا وتعدينا هالحدود، وطنا غالي واللي يخون يولي.

اضافة إلى: زغردي يا ام الجدايل زغردي، وزيني فخر الأصايل بالودع، وازرعي الحنة على الصدر الندي، واربطي العصبة على كل الوجع، زغردي يا “ام الجدايل” زغردي، وانطري هالموسم لو انه يطول، واشعلي سراجك عالعالي ورددي، ظلم الليالي، والظالم لازم يزول.

وتعيد وكالة “وفا” الإخبارية، اليوم الأحد، نشر حوار كانت قد أجرته مع الشاعر أبو خالد عام 2017، ضمن سلسلة لقاءات مع مبدعين، حول شعره وحياته وفلسطين:

عندما سمع أغانيه تتناقل بين الأجيال، وصف شعوره بـالقول “يتعزز إيماني بأنني مرتبط ارتباطا عضويا بشعبنا بتاريخه بمعاناته بعذاباته وكفاحه الطويل، أحس في هذه الحالة أنني حي بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى فلا أغاني تأتي من خارج وجداننا الشعبي، فالأغاني كلها تنبع من الوجدان وتذهب إليه مصفاة ونقية وحاملة ومحتفظة بمجده وانتصاراته ومعزولة بسبب انكساراته، لكن هذا الشق الثاني من الجملة يحرض أكثر على الحياة وضرورة انتصاراتها وحتميتها.

وفي معرض اجابته على السبب في إيمانه بأنه عائد إلى بيته وإيمانه “بحق العودة”، قال: إذا كنت متصلا بشعبك وقد أصبح في نسيج الروح، كفاحه المتواصل طوال ما يزيد من قرن. هذا يدعوك للإيمان بالغد، الغد الذي يعني تحرير فلسطين وعودة أهلها إليها، وأهمية هذا تأتي من الراهن الذي نعايشه، حيث حركة الشعب دائما فوارة بكل ما هو إيماني ومضيء، من هنا أكاد أرى أو أسمع أن هناك دق على بابي في المنفى والشتات أو المخيم، وهناك صوت يقول لي “يلا أبو خالد، الباصات وصلت ورايحة على فلسطين”.

وعن أبرز مراحل حياته الشعرية والفنية، أضاف: أبرز مراحل حياتي هي انفتاحي على الثقافة، بداية من الموروث الشعبي وصولا إلى الموروث الشعري الذي سجله فرسان الشعر في حياتنا العربية، وهذا نشأ معي في القرية ويتواصل في مشهدنا الكفاحي الراهن المحمول على الأغاني التي يفجرها من القرية إلى المدينة، فحسب الشاعر أن يكون حاديا للعيس.

ورد على سؤال مراسلنا عما إذا ما زال يكتب الشعر لفلسطين، يجيب: سؤالك يا صديقي ليس واردا، وغريب، هل ثمة لدى الشاعر ما يكتبه سوى فلسطين، أما عملي الجديد فهو عمل شعري تحت عنوان “من كتاب الشأم”، وهو في ثلاثة أجزاء أولها الشام وخاتمها الشام وفي القلب فلسطين.

وفيما يخص الأغنية الوطنية، هل هي بخير، رد قائلا: اليوم أستطيع القول إن الأغنية الوطنية كانت دوما بخير من نوح إبراهيم وصولا إلى أبو عرب مرورا بكل شعراء الأغاني، بمن فيهم خالد أبو خالد، والأغنية الوطنية ليست حمالة أوجه ولكن وجهتها فلسطين.

وأضاف: الأغنية الوطنية كما الشعر كما الأدب كما الثقافة، في الجوهر وفي الحقيقة سلاح يجرح وهذا كل يشد من معنوياتنا، وهي وسائل مقاومة قادرة على المجابهة ومراكمة خمائر التغيير.

وعن والده الشهيد تحدث: تربيت على ضريحه فهو واحد من القساميين الخمسة الذين فجروا الثورة وقادوها، واستشهد، كنت في العام الأول من عمري وبالتالي عرفته حلما، وفي الحلم فقط، وظل يسكنني كحلم وأتمثله مثلا وقدوة، قاتل بشجاعة واستشهد في سبيل فلسطين، الكلام هنا كثير وقد أحالني الناس دائما للحديث عنه إلى الذين رافقوه وكاتبوه وقاتلوا معه، حتى الآن لم التق رجلا يعرفه أو تحدث عنه إلا وبكى حزنا عليه، رثاه أبو سلمى شاعر فلسطين الأكبر ورثاه جد الشاعر أبو عرب.

وتطرّق الشاعر أبو خالد في حواره مع “وفا لقصة أغنية “زغردي يا ام الجدايل”، بالقول: هذه الأغنية فجرتها في ذات يوم من أيام 1948، امرأة محلولة الجدائل تلبس فستانا أخضر مزينة ومكحلة تواكب جنازة زوجها الشهيد وهي تزغرد وتلوح بذراعيها وأردانها، فهتفت في أعماق وجداني “زغردي يام الجدايل زغردي”، وانفجرت هذه الأغنية في وجداني منذ ذلك التاريخ وكتبتها قبل الانتفاضة بعام وكانت مبشرة بالانتفاضة.

في قصيدته المعلقة على جدار مخيم جنين، يقول أبو خالد:

سنقرأ نقشهم في الأرض

لا للموت، لا للماء من كأس العدوّ

فهل ستسقط في السبات أو الموات؟

لم يكذب الأطفال إذ كبروا، ولا اعتذروا من الشهداء

أو قبلوا من الأحياء أعذاراً

ولا أكلوا رغيفاً من أكاذيب السلام“.

يكتب: منذ أن كنا على طرفي بلاد كلما اتسعت تضيق وكلما ضاقت تسللنا إليها

ويقول: فلنقاوم إذن، كي نَرى، ونُرى.

وفي قصيدة وطن التي حملت المشهد الأخير من مسلسل الدرب الطويل: قد صرت الآن وطناً تسكنه كل عصافير الزمن القادم.

آخر الأخبار

أحدث البرامج